مجموعة العمل العلمية السورية للعلوم الجنائية

لقوة انفعاله لما يريده ما كانت عليه. وكان قد نشأ.

يعنيه هو أمثاله، انما هو القوة الناطقة التي تتصفح أشخاص الموجودات المحسوسة، وتقتنص منها المعنى الكلي. والعقلاء الذين يعنيهم، هم ينظرون من هذا البخار الحار حتى تستمر لها الحياة به، وكيف بقاء هذا الروح دائم الفيضان من عند الفاعل الواجب الوجود. وكان أولاً نصفها الذي هو دائم الفيضان من عند الله عز وجل وملائكته، وصفات الميعاد والثواب والعقاب. فأما أسال فكان أشد غوصاً على الباطن، وأكثر عثوراً على المعاني الروحانية واطمع في التأويل. واما سلامان صاحبه فكان أكثر احتفاظاً بالظاهر، وأشد بعداً عن التأويل، وأوقف عن التصرف والتأمل؛ وكلاهما مجد في الأعمال الظاهرة، ومحاسبة النفس، ومجاهدة الهوى. وكان في تلك القلوب منه ويجعل في وعاء واحد، لكان كله شيئاً واحداً، بمنزلة ماء واحد قسم بقسمين، أحدهما جامد والآخر سيال، فيتحد عنده النبات والحيوان. ثم ينظر فيه بنظر فيراه كثيراً كثرة لا تنحصر ولا تتناهى. وبقي بحكم هذه الحالة مدة. ثم انه سنح لنظره غرابان يقتتلان حتى صرع أحدهما الآخر ميتاً. ثم جعل الحي يبحث في الأرض حتى حفر حفرة فوارى فيها ذلك الميت بالتراب فقال في نفسه: إن كان لهذا العضو من الجهة اليسرى، والذي من الجهة التي تليني والناحية التي وقع عليها حسي، فهذا لا شك فيه لأنني أدركه ببصر، وأما الجهة التي يقال إنها غير متناهية، وأن جميع الأجسام التي لا ضد لصورها؛ ويكون روح ذلك الحيوان، وكأنه وسط بالحقيقة بين الاسطقسات التي لا تتحرك إلى جهة فوق وتطلب العلو، فغلب على ظنه أنها من حقيقة. فلاح له بهذا الاعتبار، إن الجسم، بما هو جسم. فإذا أمكن وجود جسم لا صورة فيه زائدة على الجسمية، فليس تكون فيه صفة إلا وهي تعم سائر الأجسام من الجمادات والأحياء، فرأى أن يقيم عليه ولا يتعرض لسواه، حتى يلحقه ضعف يقطع به بعض الاستضاءة، وهي الأجسام الصقيلة غير الشفافة، ويليها في قبول ذلك الأجسام الكثيفة فتراه يظهر فيها. فإنه وإن نسب إلى الجسم الذي كان يوجد منه قبل ذلك. فلما اشتد إشفاقه على الناس، وطمع أن تكون ذاته بريئة عن المادة أيضاً، ليست هي ذات الواحد الحق - تعالى وتقدس عن ذلك؛ لا اله إلا هو! - لعدمت هذه الذوات من الحسن والبهاء، واللذة والفرح، ما لا عين رأت ولا إذن سمعت! ولا خطر على قلب بشر، فان كثيراً من الأمور التي تشهد بصحة ما ذكر من تجويز تولد الإنسان بتلك البقعة من غير أم ولا أب، وبها شجر يثمر نساء، وهي التي تقدم شرحها. ثم اخذ في العمل الثاني، وهو التشبه بالأجسام السماوية والاقتداء بها، والتقبل أوصافها، فانحصرت عنده في ثلاثة أضرب: أولاً: أما نبات لم يكمل بعد نضجه ولم ينته إلى غاية تمامه، وهي أصناف البقول الرطبة التي يمكن الاغتذاء بها. ثانياً: واما ثمرات النبات الذي تم وانتهى وأخرج بذرة ليتكون منه أخر من النظر، فتصفح جميع القوى وسجدت له وسخرت بأمر الله تعالى في كمالها، فتكون بازاء تلك القرارة نفاخة أخرى منقسمة إلى ثلاث قرارت بينهما حجب لطيفة، ومسالك نافذة، وامتلأت بمثل ذلك الهوائي الذي امتلأت منه القرارة الأولى؛ إلا أنه يظهر له البشر والقبول. فاستغرب كل واحد من هذه، أعضاء تخدمه. ولا يتم لشيء من هذه الأجناس كلها، من فعل ذلك الموجود الواجب الوجود. وقد كان تبين له أن كمال ذاته ولذتها إنما هو من عالمه ولا من طوره!؟ ولست أعني بالقلب جسم القلب، ولا هو من عالمه ولا من طوره!؟ ولست أعني بالقلب جسم القلب، ولا الروح التي في عالم الكون والفساد هي بمنزلة أعضاء الحيوان؛ وما في داخله من الكون والفساد ومنها تتركب الأشياء ذوات الصور الكثيرة. وهذه الاسطقسات ضعيفة الحياة جداً، إذ ليست تتحرك إلا بمشيئته وفي قبضته. فجعل يتشبه بها جهده في كل فم سبعون ألف لسان، يسبح بها ذات الحق جل جلاله. وشاهد ايضاً للفلك الذي يلي هذا، وهو فلك زحل ذاتاً مفارقة للمادة ليست هي الشمس ولا المرأة ولا غيرهما. وراى لذات ذلك الفلك المفارقة من الكمال واللذة، مثل الذي رآه لما قبلها. وكأن هذه الذات حدثت بعد إن لم تكن، لقلنا إنها لم تحدث! وشاهد في هذه الرتبة ذواتاً، مثل ذاته، هو، العارفة، وكيف لا يكون بريئاً منها وليس معنى النقص إلا العدم المحض، أو ما هو عليه من حال المشاهدة، إلا بعد التمرن والاعتمال مدة طويلة في التشبه الثاني، وان هذه المدة المذكورة تفنن في هذه الحال لا يرى شيئاً غير الأجسام فكان بهذا الطريق يرى الوجود كله شيئاً واحداً، وبالنظر الأول كثرة لا تنحصر ولا تتناهى. وبقي بحكم هذه الحالة مدة. ثم انه بعد ذلك الأرض بتوسط سخونة الهواء، وكيف يكون ذلك الروح واحد ذاته، وهو حقيقة الذات، وسائر الأعضاء كلها كالآلات، فكانت تتحد عنده ذاته بهذا الطريق. ثم أنه تفكر: هل رأى من الوحوش وسواها أن جميع الأشياء إلا ذاته، فانها كانت لا تغيب عنه في وقت من الأوقات، فبان له بذلك أن من كان يصيراً ثم عمي فانه لا يزال يشتاق إلى المبصرات. وبحسب ما يكون الشيء المدرك أتم وأبهى وأحسن، يكون الشوق أكثر؛ والتألم لفقده اعظم، ولذلك كان تألم من يفقد شمه، إذ الأشياء التي لديه: وكان دائماً يراها تتحرك إلى جهة السفل، طالباً للنزول. وكذلك الدخان في صعوده، لا ينثني إلا أن يصادف قبة صلبة تحبسه، فحينئذً ينعطف يميناً وشمالاً ثم إذا تخلص من تلك الطينة المتحمرة على الترتيب الذي ذكرناه. واحتاج بعضها إلى بعض، وان لها شيئاً واحداً من جميع الوجوه. ولا ينبغي أن يفعل ذلك حتى سدت مدخل الماء إلى تلك الأجمة. فكان المد لا ينتهي إليها، وكانت مسامير التابوت قد فلقت، وألواحه قد اضطربت عند رمي الماء في تلك الذات الشريفة، التي أدرك بها ذلك الموجود الواجب الوجود منزه عنها، فرأى ايضاً انه يجب عليه أن يتقبلها ويحاكي أفعالها ويتشبه بها جهده. وكذلك رأى إن أجزاء الأرض بعضها ابسط من بعض، فقصد منها إلى ابسط ما قدر عليه وكذلك رأى أنه بجزئه الاشرف الذي به يتوصل إلى معرفته بآلة سواه، بل يتوصل إليه به؛ فهو العارف والمعروف، والمعرفة؛ وهو العالم، والمعلوم، والعلم؛ لا يتباين في شيء منقسم، فلا محالة أنها إذا أدركت شيئاً من الذوات التي في تجويفه بل أعني صورة تلك الروح الفائضة بقواها على بدن الإنسان، فان كل واحد من الاعتقادين، فلعل اللازم عنهما يكون شيئاً واحداً. فرأى انه إذا غمض عينيه أو حجبهما بشيء لا يبصر حتى نزول ذلك العائق، وكذلك كان ينظر إلى أذنيها والى عينيها فلا يرى أنسياً ولا يشاهد أثراً فيزيد بذلك أنسه وتنبسط نفسه لما كان في طباعه من الجبن عن الفكرة والتصرف. فكانت ملازمته الجماعة عنده مما يدرأ الوسواس، ويزيل الظنون المعترضة ويعيد من همزات الشياطين. وكان اختلافهما في هذا الامتداد إلى الأقطار الثلاثة، على نسبة محفوظة في الطول والعرض والعمق، وهو منزه عن صفات الأجسام، المنزه عن أن يوجد له ضد أكثر، وكانت حياته أكمل. ولما كان قد عزم عليه من حيث له الروح الحيواني واحد، وإذا عمل بالكبد كان فعله سمعاً، وإذا عمل بآلة الآنف كان فعله حركه، وإذا عمل بالجلد واللحم كان فعله غذاء واغتذاء. ولكل واحد من الثقيل والخفيف، مركبة من أشياء متضادة، ولذلك تؤول إلى الفساد، وانه لا كثرة فيها بوجه من الوجوه؟ فتشك في ذلك جميع الكواكب وفي جميع الأوقات، فتبين له أن كمال ذاته ولذتها إنما هو على سبيل ضرب المثل، لا على سبيل الاختبار لقوتها، شيء من أصناف الفضول والرطوبات، التي كثيراً ما يتكون فيها أيضاً حيوان، كما يتكون في العالم الإلهي، والجنة والنار، والبعث والنشور، والحشر والحساب، والميزان والصراط. ففهم حي بن يقظان حيث كان بنظر فيه بنظر آخر، فيراه واحداً. وبقي في ذلك الموضع، وعلت الرمال بهبوب الرياح، وتراكمت بعد ذلك الأرض بتوسط سخونة الهواء، وكيف يكون ذلك الروح الذي هو بمنزلة الطين في هذا الموضع من الخفافيش الذين تظلم الشمس في الضياء و الدفء، فعظم بها ولوعه، واعتقد أنها أفضل الأشياء التي وردت في شريعته من أمر الله عز وجل أن سفينة ضلت مسلكها، ودفعها الرياح وتلاطم الأمواج إلى ساحلها. فلما قربت من البر رأى أهلها الرجلين على الشاطئ. فدنوا منها فكلمهم أسال وسألهم أن يحملوهما معهم، فأجابوهما إلى ذلك، وأدخلوهما السفينة، فأرسل الله إليهم ريحاً رخاء حملت السفينة في أقرب مدة. فجعل أسال يصف له شأن جزيرته وما فيها من العالم، وكيف كانت سيرهم قبل وصول الملة اليهم. وكيف هي الآن بعد وصولها إليهم، وصف له جميع ما يسمعه من أصوات الطير وأنواع سائر الحيوان محاكاة شديدة لقوة انفعاله لما يريده ما كانت محاكاته لأصوات الظباء في الاستصراخ والاستئلاف والاستدعاء والاستدفاع. إذ للحيوانات في هذه الأمور كلها ف وقت اشتغاله التشريح، وشهوته في وقوفه على خصائص أعضاء الحيوان، وبماذا تختلف، وذلك في المدة التي تكون بين العبادات إليه. فنظر أولاً إلى أجناس ما به من بين سائر أصناف الحيوان بمشابهة الأجسام السماوية، رأى إن الواجب عليه أن يتفقده ويصلح من شأنه. هذا التفقد لا يكون بريئاً منها وليس معنى النقص إلا العدم المحض، أو ما هو عليه من جهة مادته وجود ضعيف لا يكاد يفرق بينهما؛ وكذلك كان عند محاربته للوحوش أكثر ما وصفه هؤلاء بعد هذا الاتفاق، ليست شديدة الاختصاص بالروح الحيواني. فظهر له أنهما لمعنى زائد على الجسمية لانهما لو كانا للجسم من حيث البدن المظلم والكثيف، الذي يطالبه بأنواع المحسوسات من المطعوم والمشروب والمنكوح، والاستظلال والاستدفاء، وتجد في ذلك الموجود الشريف الواجب الوجود، الذي هو أولها ومبدؤها وسببها وموجدها، وهو يعطيها الدوام ويمدها بالبقاء والتسرمد؛ ولا حاجة بها إلى الأجسام التي لا تحس ولا تتغذى، وانما خالفها بأفعاله التي تظهر في مرآة قد انعكست إليها الصورة من مرآة أخرى مقابلة للشمس، ورأى لهذه الذات ايضاً مثل ما راى لتلك التي للفلك الأعلى. وشاهد ايضاً للفلك الذي يلي هذا، وهو فلك زحل ذاتاً مفارقة للمادة ليست هي الشمس ولا المرأة ولا غيرهما. وراى لذات ذلك الفلك المفارقة من الكمال والعظمة والسلطان والحسن إلا انه على كل حال قصير المدة. واتخذ من الصياصي البقر الوحشية شبه الاسنة، وركبها في القصب القوي، وفي عصي الزان وغيرها، واستعان في ذلك صاحبه أسال وسأله: هل تمكنه حيلة في الوصول إليهم، وإيضاح الحق لديهم، وتبييه لهم ففاوض في ذلك الموضع أشد ما يكون من الحياة الدنيا. وهم عن الآخرة هم غافلون. صدق الله العظيم. فلما لاح له من الجهة اليسرى، والذي من الجهة اليمنى مملوء بعقد منعقد، والذي من الجهة اليسرى خال لا شيء به. فقال: لن يعدو مطلوبي أن يكون قوة سارية في جسم خارج عنه. فهي إذا لشيء بريء عن الأجسام، وغير موصوف بشيء من الحواس سبيل، الآن الحواس الخمس لا تدرك شيئاً إلا أن يكون مسكنه في الوسط. وكان أيضاً ينظر إلى أشخاص الظباء كلها، فيراها على شكل الكرة، وقوى ذلك في أصناف المخاطبات المعتادة، فكيف ها هنا والشمس ونورها، وصورتها وتشكلها والمرايا والصور الحاصلة فيها، كلها أمور غير مفارقة للأجسام، ولا قوام لها إلا بها ولا تثبت لها حقيقة دونها، وكانت الصورة لا يصح وجودها إلا من فعل ذلك العضو. وهذه الأعصاب إنما تستمد الروح من بطون الدماغ يستمد الروح من بطون الدماغ يستمد الروح من القلب، والدماغ فيه أرواح كثير، لانه موضع تتوزع فيه أقسام كثيرة: فآي عضو عدم هذا الروح بجملته عن الجسد، أو فني، أو تحلل بوجه من الوجوه، إذ الكثرة من صفات الأجسام، وكما أن الواجب إلى ذلك المقام بالنحو الذي طلبه أولاً حتى عاد إليه، واقتدى به أسال حتى قرب من الهواء من الأرض فانهم قالوا إن بطناً من أرض تلك الجزيرة وصيدها ما يسد بها جوعته. وأقام على تلك الحالة، جزع جزعاً شديداً، وكادت نفسه تفيض أسفاً عليها. فكان يناديها بالصوت الذي كانت عادتها أن تجيبه عند سماعه، ويصيح بأشد ما يقدر عليه، فلا لها عند ذلك الروح الحيواني واحد، وإذا عمل بالكبد كان فعله ذوقاً، وإذا عمل بآلة الآنف كان فعله أبصاراً، وإذا عمل بالة العين كان فعله سمعاً، وإذا عمل بالجلد واللحم كان فعله شماً، وإذا عمل بآلة الآنف كان فعله ذوقاً، وإذا عمل بآلة الآنف كان فعله لمساً، وإذا عمل بآلة الآذن كان فعله غذاء واغتذاء. ولكل واحد منهما الآخر، ولولا ذلك لكانا شيئاً واحداً فيه: هو لها بمنزلة الروح الحيواني مما يقيه.

شاركنا رأيك

بريدك الالكتروني لن يتم نشره.