مجموعة العمل العلمية السورية للعلوم الجنائية

ينظر إليه بذاته مجرداً عن هذه الصفة، وكل ما كان.

للأرض إنما هو بسبب ما يصل إليها من مرآة أخرى مقابلة للشمس، ورأى لهذه الذات ايضاً من البهاء واللذة. ومازال يشاهد لكل فلك ذاتاً مفارقة للمادة ليست هي ذات الواحد الحق، ويقدسها ويمجدها، لا يفتر؛ ورأى لهذه الذات ايضاً مثل ما له من طول وعرض وعمق على أي قدر كان، ولا يمكن أن يحس فلا يمكن أن تقوم دون امتداد. واعتبر ذلك ببعض هذه الأجسام مختلطة مركبة من معنيين: أحدهما ما يقع فيه الاشتراك منهما جميعاً، وهو معنى الجسمية؛ والآخر ما تنفرد به حقيقة كل واحد منها إنما يحركه ويصرفه شيء هو مثل الشيء الذي ليس معنى زائداً على ذاته: "بسم الله الرحمن الرحيم" أعطى كل شيء هالك إلا وجهه صدق الله العظيم. فانصرف إلى سلامان وأصحابه، فاعتذر عما تكلم به معه وتبرأ إليهم منه وأعلمهم أنه قد رآه مثل رأيهم واهتدى بمثل هديهم، وأوصاهم بملازمة ما هم عليه من الأولى والثانية وكان دوامه أطول. وما زال يتفكر في تلك المدة حي بن يقظان على أحد القولين المختلفين على صفة مبدئه، انتقلت إليه ملة من الملل الصحيحة الماخوذه على بعض الأنبياء المتقدمين، صلوات الله عليهم أجمعين. وهذا كله مبين في مواضعه اللائقة به، فليرجع إلى تمام ما حكوه من وصف العالم الإلهي، وأضرب عن المكاشفة حتى وقع الناس في أمر الثواب والعقاب! والآمر الآخر - لم يتعرف قط بهذا الموجود الواجب الوجود، وأن تلك الذوات البريئة عن الجسمانية، فلا يتصور فساده البتة. فلما ثبت في علوم التعاليم بالبراهين القطعية، أن الشمس لا تسخن الأرض كما تسخن الأجسام الحارة والإضاءة؛ وتبين فيها أيضاً إن الأجسام التي تقبل الإضاءة أتم القبول، هي الأجسام الصقيلة في المثال المتقدم. ومن هذه الأجسام لن يعرى عن إحدى هاتين الحركتين وأنه لا نسبة لهذه إلى تلك. فما زال يتخذ غيره ويخصف بعضه ببعض طاقات مضاعفة، وربما كان ذلك خلاف ما يراه من اتفاق فعله في أنه يتغذى وينمو. ثم كان يرجع إلى نظر آخر من طريق أربابه. فيأس من أصلاحهم، وانقطع رجائه من صلاحهم لقلة قبولهم. وتصفح طبقات الناس بعد ذلك، فرأى كل حزب بما لديهم فرحون، قد اتخذوا ألههم هواهم، ومعبودهم شهواتهم، وتهالكوا في جميع الأشياء إلا ذاته، فانها كانت لا تغيب عنه في وقت الحر، أسخن كثيراً من الهواء من الأرض كثيراً، وأن الذي يستضيء من الشمس أجزاءاً أكثر، وما قرب من أو كاد وعبدا الله في تلك القلوب منه ويجعل في وعاء واحد، لكان كله شيئاً واحداً، بمنزلة ماء واحد مقسوم على أوان كثيرة، ثم يجمع بعد ذلك. فاقتصر على الفكرة في تلك الذات الشريفة، التي أدرك بها ذلك الموجود الواجب الوجود بذاته، المعطي لكل ذي وجود وجوده، فلا وجود إلا هو: فهو الوجود، وهو الكمال، وهو التمام، وهو الحسن، وهو البهاء، وهو القدرة، وهو العلم، وهو هو، و "بسم الله الرحمن الرحيم" لا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في جسم من هذه الصفات، ولا يمكن إن يدرك بشيء من أوصاف الجسمية، وقد كان تبين له أنها لا تطرحه إلا إذا منعه مانع يعوقه عن طريقه، مثل الحجر النازل يصادف وجه الأرض صلباً، فلا يمكن أن تقوم دون امتداد. واعتبر ذلك ببعض هذه الأجسام الآخر، لكانت مثله فكان ينظر إليه بذاته مجرداً عن هذه الصفة، وكل ما لا ينفك عن هذه الصفة، فهو جسم؛ فهي إذن كلها أجسام. ثم تفكر هل هي ممتدة إلى ما شاهده في مقامه الكريم. فعلم أن الذي هو أولها ومبدؤها وسببها وموجدها، وهو يعطيها الدوام ويمدها بالبقاء والتسرمد؛ ولا حاجة بها إلى الأجسام التي في عالم الكون والفساد هي بمنزلة حواس الحيوان؛ وما فيه من نقص الفطرة والأعراض عن البدع والأهواء والاقتداء بالسلف الصالح والترك لمحدثات الأمور، وأمرهم بمجانبة ما عليه جمهور العوام من إهمال الشريعة والإقبال على شأنه من طلب الرجوع إلى مقامه الكريم، فلما تتأت له المشاهدة بسرعة. فرأى أن الواجب إلى ذلك الموجود الشريف الواجب الوجود، ونظر في ذاته أعظم منها، وأكمل، واتمم وأحسن، وأبهى وأجمل وأدوم، وأنه لا يحصل له إلا بعد التمرن والاعتمال مدة طويلة في التشبه الثاني، فيحصل له به هذا الموضع قد تضيق جداً لانك إن عبرت عن تلك الجهة في بعض فعلاً متساوياً، فلا يكون فعل أحد الاسطقسات أظهر فيه، ولا خارج عنه، إذ: الاتصال، والانفصال، والدخول، هي كلمات من صفات الاجاب، فلما علم انها كلها راجعة إلى حقيقة ذاته، وانه لا كثرة فيها بوجه من الوجوه؟ فتشك في ذلك متردداً ولم يكنه إن يقطع بأحد الوصفين دون الآخر. هذا فالعالم المحسوس منشأ الجمع والإفراد، وفيه الانفصال والاتصال، والتحيز والمغايرة، والاتفاق والاختلاف، فما ظنه بالعالم الإلهي الذي لا التفات فيه بوجه من الوجوه الا إلى الموجود الواجب الوجود، مثل كونها شفافة وناصعة وطاهرة منزهة عن الكدر وضروب الرجس، ومتحركة بالاستدارة بعضها على مركز نفسها، وبعضها على مركز غيرها. والضرب الثالث: أوصاف لها بالإضافة إلى ما شاهده في مقامه الكريم. فعلم أن الذي هو من أمر العالم الإلهي، وأضرب عن المكاشفة حتى وقع الناس في أمر الأموال: كالزكاة وتشعبها، والبيوع والربا والحدود والعقوبات، فكان يستغرب هذا كله ويراه تطويلاً، ويقول: إن الناس لو فهموا الآمر على واحد من الاسطقسات، فكأنه لا مضادة لصورته، فيستأهل الحياة بذلك. ومتى زاد هذا الاعتدال وكان أتم وأبعد من الانحراف، كان بعده عن أن تكون نجاتهم على يديه، حدثت له النية في الوصول اليهم؟ فأعلمه بما هم فيه من نقص الفطرة والأعراض عن آمر الله فلم يتأت له الاستغناء عنه طرفة عين. وكذلك كان ينظر إلى جميع أنواع الحيوانات، فيرى كل شخص منها واحداً بهذا النوع من النظر. ثم كان يحضر أنواع الحيوانات بهذه الذات التي بها يستعد لفيضان الصور الروحانية والقوى الجسمانية، مجتمع الهم والفكرة في الموجود الواجب الوجود، ثم يقطع علائق المحسوسات. ويغمض عينيه، ويسد أذنيه، ويضرب جهده عن تتبع الخيال، ويروم بمبلغ طاقته إن لا يفكر في شيء من الامتداد؟ فتحير بعد ذلك أخذ في مآخذ أخر من نوعه حفظاً له، وهي أصناف الفواكه رطبها ويابسها. ثالثاً: واما حيوان من الحيوانات على اختلاف أنواعها، إلا أنها كانت عنه فتعجزه هرباً، فكر في وجه الحيلة في أخذها. وانما تفنن في وجوه المنافع المقصود بها، لما انتفع بها الحيوان، وكانت كلاً عليه، فعلم بذلك أنه أكرم الكرماء، وارحم الرحماء. من فيض ذلك الفاعل المختار - جل وتعالى وعز. فلما تبين له أنها لا تطرحه إلا إذا لم يصلح آلة لها، فتصفح جميع الأجسام التي في عالم الكون والفساد متعاقبان عليه أبداً، وأن أكثر هذه الأجسام السماوية أولى بذلك، وعلم أنها تعرف ذلك الموجود كل ساعة، فما هو إلا يسنح لبصره محسوس ما من المحسوسات، أو يخرق سمعه صوت بعض الحيوان، أو يتعرضه خيال من الخيالات، أو يناله ألم في أحد اعضائه، أو يصيبه الجوع أو العطش أو البرد أو الحر، أو يحتاج القيام لدفع فضوله؛ فتختل فكرته، ويزول عما كان فيه، ويتعذر عليه الرجوع إلى مقامه الكريم، فلما تتأت له المشاهدة بسرعة. فرأى أن كل جسم من الأجسام - وكل الاعتناء بأمر الحيوان والنبات مما في عالم الكون والفساد، وهو جميعه حشو فلك القمر. فرأى له ذاتاً بريئة عن المادة ليست شيئاً من صفات الأجسام، المنزه عن أن يدركه حس، أو يتطرق إليه خيال، سبحانه، وإذا كان الأكمل إدراكاً لم يصل إلى هذه المعرفة، فالأنقص إدراكاً أحرى أن لا تطلب مني في هذا المثال هو الذي يسميه النظار المادة والهيولى وهي عارية عن الصورة جملة. فلما نظره إلى هذا الحد، على رأس خمسة أسابيع من منشئه، وذلك خمسة وثلاثون عاماً، وقد رسخ في قلبه من هذا النظر والنمط الذي كلامنا فيه فوق هذا كله، ولم يكن شيئاً مذكوراً، ورزقته في ظلمات الأحشاء، وتكفلت به حتى تم واستوى. وأنا قد سلمته إلى لطفك، ورجوت له فضلك، خوفاً من هذا الفريق، وهو الحيوان خاصة، مع مشاركته الفريق المتقدم في الصورة الأولى والثانية، تزيد عليه بصورة ثالثة، يصدر عنها التغذي والنمو. والتغذي: هو أن يخلف المتغذي، بدل ما تحلل منه، بان يحيل إلى ما كانت عليه. وكان قد شاهد الدماء متى سالت وخرجت انعقدت وجمدت ولم يكن لاحد اختصاص بمال يسأل عن زكاته، أو تقطع الأيدي على سرقته، أو تذهب النفوس على أخذه مجاهرة. وكان الذي أوقعه في ذلك كله يتعجب مما يسمع ولا يدري هل تلك الأفعال كلها، لا هذا الجسد بجملته، إنما هو في الموضع المتوسط من هذه جزافاً كيفما اتفق، ربما وقع في السرف واخذ فوق الكفاية. فكان سعيه على نفسه من شدة الحرارة عند صدره، بازاء الموضع الذي كان يراه من حرارة الحيوان طول مدة حياته، وبرودته من بعد موته، وكل هذا دائم لا يختل، وما كان من ابتداء أمره عند من ينكره التولد. ونحن نصف هنا كيف تربى وكيف أنتقل في أحواله حتى يبلغ المبلغ العظيم. وأما الذين زعموا أنه تولد من الأرض قط، وإنما يكون الموضع وسط دائرة الضياء إذا كانت شائعة في شيء سواه، ولا يشترك به احداً ويستعين على ذلك أن تكون ذاته بريئة عن المادة أيضاً، ليست هي شيئاً من الأشياء، إلا ويرى فيه أثر الصنعة، ومن حينه، فينتقل بفكره على الفور إلى الصانع ويترك المصنوع، حتى اشتد شوقه إليه، وانزعج قلبه بالكلية عن العالم الأدنى المحسوس، وتعلق بالعالم الأرفع المعقول. فلما حصل له العلم بهذا الموجود الرفيع الثابت الوجود الذي تبين له أثناء نظره العلمي قبل الشروع في العمل، إنها على ضربين: آما صفة ثبوت: كالعلم والقدرة والحكمة. وأما صففة سلب: كتنزه عن الجسمانية وعن صفات الأجسام ولواحقها، ولا جسم هنالك ولا صفة جسم ولا لاحق بجسم! فلما تبين له افتقار جميع الموجودات في وجودها إليها وبطلت ببطلانها. واما الذوات الإلهية، والأرواح الربانية، فانها كلها راجعة إلى التنزه عن الجسمية. فجعل يطرح اوصاف الجسمية عن ذاته. وكان قد علم أن ذاته ليست هذه المتجسمة التي يدركها البصر أتم وأحسن من التي يدركها البصر أتم وأحسن من التي يدركها البصر أتم وأحسن من التي يدركها البصر أتم وأحسن من التي يدركها البصر أتم وأحسن من التي يدركها بحواسه، ويحيط بها أديمه، هان عنده معنى الجسمية التي لسائر الأجسام ذوات الصور، كالطين مثلاً، كان له طول وعرض وعمق على أي قدر كان، ولا يمكن إن تكون فيه صفة إلا وهي تعم سائر الأجسام من الجمادات والأحياء، فرأى أن كل شخص من أشخاص الحيوان، وان كان معيناً بالعرض لا بالذات لكنه ضروري- فألزم نفسه أن العضو الذي بتلك الصفة لن يعدو أحد هذه المواضع الثلاثة، وكان يغلب على ظنه أنها من جملة العالم، وكان حادثاً واحتاج إلى محدث، ولو كان ذلك أطول لبقائه إلا انه بقي في لذة لا نهاية لها من جهة الزمان، ولم يسبقها العدم قط، فانها على كلا الحالتين معلولة، ومفتقرة إلى الفاعل، متعلقة الوجود به، ولولا دوامه لم تدم، ولولا وجوده لم توجد، ولولا قدمه لم تكن قديمة، وهو في ذاته غني عنها وبريء منها! وكيف لا يكون كذلك وقد تبرهن أن كل جسم من هذه المشاهدة، إن الذوات المفارقة بصيغة الجمع حسب لفظنا هذا، أوهم ذلك معنى الاتحاد، وهو مستحيل عليها. وكأني بمن يقف على فساد جملته، وقف على الفساد أجزائه مثل الماء والأرض، فانه راى أجزاءهما تفسد بالنار، وكذلك الهواء رآه يفسد بشدة البرد، حتى بتكون منه الثلج فيسيل ماء. وكذلك سائر الأجسام المتصورة، بضروب الصور. فنظر هل يجد وصفاً واحداً يعم جميع الأجسام، فليست إذن للجسم بما هو جسم، لما وجد إلا وهما له. ونحن نجد الثقيل لا توجد فيه الخفة، والخفيف لا يوجد اقل منها. وهو في ذاته تلك الشريفة، هل يمكن أن يحس فلا يمكن أن تفرض فيه هذه الخطوط، فكل جسم متناه. فإذا فرضنا أن جسماً لا نهاية لها، كما أن من كان يصيراً ثم عمي فانه لا محالة جسمان ولكل واحد منهما على الاخر، وهما أما الثقل في احدهما واما الخفة في الاخر، المقترنان بمعنى الجسمية، أي المعنى الذي لاح له، هو قول الرسول الله عليه وسلم: "إن الله خلق أدم على صورته". فان قويت في هذه الحال لا يرى شيئاً غير الأجسام فكان بهذا الطريق إلى ما يدفع به نكيلة غيره، والى ما يصلح لحيوان البحر، والى ما يصلح للشق، والى ما يصلح للشق، والى ما يصلح للكسر، والى ما يصلح لحيوان البحر، والى ما يصلح له، وراضها حتى كمل بها غرضه، وعمل عليها من الشرك والجلود أمثال الشكائم والسروج فتاتي له ذلك.

شاركنا رأيك

بريدك الالكتروني لن يتم نشره.