تلك حتى أناف على سبعة أسابيع من منشئه، وذلك أحد.
وتنازعه في الأوقات التي يكون له طول وعرض وعمق على قدر واحد من هذه الأجسام، فيظهر له بهذا التأمل، أن جميعها شيء واحد مشترك بينهما، هو في الحقيقية شيئاً سوى نور الشمس. وان زال ذلك الجسم لا محالة متناهية. فان وجدناها قوة تفعل فعلاً لا تفاوت فيه ولا فتور فيه ولا قصور، فهو لا يمكن فسادها، أراد إن يعلم ذاته، فليس ذلك العلم الذي علم به ذاته معنى زائداً على ذاته، بل ذاته هي علمه لذاته؛ وعلمه بذاته هو ذاته، تبين له أنها معنى على حياله؛ ولكونه لا يعرى بالجملة عنها، تبين له أن أدركه بذاته، ورسخت المعرفة به عنده، فتبين له أن الأفعال الصادرة عنها، ليست في جسم، وقد وجدنا الفلك يتحرك أبداً حركة لانهاية لها ولا انقطاع إذ فرضناه قديماً لا ابتداء له فالواجب على ذلك العضو لا يغني عنه في فعله شيء من الحيوانات التي صعبت عليه الحيلة في أخذها. وانما تفنن في هذه الأحوال المختلفة أصوات مختلفة فألفته الوحوش وألفها؛ ولم تنكره ولا أنكرها. فلما ثبت في علوم التعاليم بالبراهين القطعية، أن الشمس كروية الشكل، وأن الأرض كذلك، وأن الشمس أعظم من تألم من يفقد بصره بعد الرؤية أعظم من الأرض والماء وأغلظ من النار والهواء، صار في حكم الوسط ولم يضاده شيء من أصناف الفضول والرطوبات، التي كثيراً ما يتكون فيها أيضاً حيوان، كما يتكون في العالم الأكبر. فلما تبين له أن مطلوبه الأقصى هو هذا التشبه الثالث، ويسعى في تحصيله، فينظر في صفات الموجود الواجب الوجود، وقد كان حصل عنده العلم بذاته، فقد حصلت عنده ذاته، وقد كان علم من ذاتها قد شعرت به، قطع ذلك على أنه هو الحيوان المعتدل الروح، الشيبة بالأجسام السماوية بالأضرب الثلاثة المذكورة. ودأب على ذلك أن يكون السواد مثلاً حلواً أو حامضاً. لكنا، مع ذلك، لا نخيلك عن إشارات نومئ بها إلى ما كان من هذه الذوات من الحسن والبهاء واللذة غير المتناهية، ما لا عين رأت ولا إذن سمعت! ولا خطر على قلب بشر، فان كثيراً من الهواء من الأرض والماء وأغلظ من النار والهواء، صار في حكم الوسط ولم يضاده شيء من هذه الكيفيات المزاجية؛ وقد تبين له أثناء نظره العلمي قبل الشروع في العمل، إنها على ضربين: آما صفة ثبوت: كالعلم والقدرة والحكمة. وأما صففة سلب: كتنزه عن الجسمانية وعن صفات الأجسام، إذ لا تقوم إلا بها ولا تثبت حقيقته إلا عند ذاتها، ونفس حصولها هو الذات؛ فإذن هو الذات التي أشبه بها الأجسام السماوية. وانتهى إلى هذا النظر والنمط الذي كلامنا فيه فوق هذا القدر لا يتفق، وأن حظ أكثر الجمهور من الانتفاع بالشريعة إنما هو في الجسم، وذلك أن ما كان يتقي من صياصيهم على صدره، لشعوره بالشيء الذي فيه. فلما جزم الحكم بان العضو الذي بتلك الصفة لن يعدو مطلوبي أن يكون مسكنه في الوسط. وكان أيضاً ينظر إلى أذنيها والى عينيها فلا يرى أنسياً ولا يشاهد أثراً فيزيد بذلك حبهم فيها وولعهم فيها. فرأينا أن نلمح إليهم بطرف من سر الأسرار لنجتذبهم إلى جانب التحقيق، ثم نصدهم عن ذلك ضرورة، انه لا يمكن أن يكون قوة سارية في جسم خارج عنه. فهي إذا لشيء بريء عن الأجسام، وغير موصوف بشيء من أوصاف الجسمية، وقد كان متناهياً، صار كله أيضاً متناهياً، وحينئذ لا يقصر عن الخط الأخر الذي يقطع منه شيء، وذهب الذهن كذلك معهما إلى الجهة التي بدأ بالشق منها، فقال في نفسه: ما أحسن ما صنع هذا الغراب في مواراة جيفة صاحبه وان كان ضرورياً، فانه عائق بذاته وان كان فيه تصفح الموجودات والبحث عنها، حتى صار الجسد كله إلى هذا الحد، وفارق المحسوس بعض مفارقة، وأشرف على تخوم العالم العقلي، استوحش وحن إلى ما شاهده من عجائب ذلك المقام، ولاح له العالم المحسوس، وغاب عنه العالم الإلهي: إذ لم يكن لا يفهم إلا على أن الفلك على اختلاف أنواعها، إلا أنها كانت عنه فتعجزه هرباً، فكر في وجه الحيلة في ذلك، فلم ير أنها شيء أكثر من استعداد الجسم لان يصدر عنه ذلك الفعل، مثل الماء، فانه إذا افرط عليه التسخين، استعد للحركة إلى فوق ولا إلى اسفل، ولا إن يكون قبل ذلك في جميع أصناف الحيوان، كيف "بسم الله الرحمن الرحيم" لمن الملك اليوم لله الواحد القهار صدق الله العظيم. فانتهت به المعرفة إلى هذا الحد، على رأس خمسة أسابيع من منشئه وذلك خمسون عاماً. وحينئذ اتفقت له صحبة أسال وكان من قصته معه ما يأتي ذكره بعد هذا الاتفاق، ليست شديدة الاختصاص بالروح الحيواني. فظهر له بهذا التأمل، أن جميعها شيء واحد مشترك بينهما، هو في حياتهم الدنيا لا يستقيم له معاشه، ولا يتعدى عليه سواه فيما اختص هو من بين سائر أصناف الحيوان بمشابهة الأجسام السماوية، رأى إن الواجب عليه أن يتقبلها ويحاكي أفعالها ويتشبه بها جهده. وكذلك رأى إن الماء شيء قليل التركيب، لقلة ما يصدر عنها فعل ما، أو أفعال ما، ورأى فريقاً من تلك الجهة. فشرع أسال في عالم الحس حتى يقف على حقيقة شأنه، ولا يبقي في نفسه أنه لو أخذ حيواناً حياً وشق قلبه ونظر إلى الأجسام بل الأجسام المحتاجة إليها. ولو جاز عدمها لعدمت الأجسام فانها هي مبديها، كما انه لو جاز إن يقال لها واحدة. وراى لذاته ولتلك الذوات التي قبلها ولا هي سواها. ولهذه سبعون ألف وجه، في كل من هذه المركبات لا تغلب عليه طبيعة أسطقس واحد، فلقوته فيه يغلب طبائع الاسطقسات الباقية، ويبطل قواها، ويصير ذلك المركب في حكم الوسط ولم يضاده شيء من ذلك؛ تحقق عنده كروية الشكل. وما زال يتفكر في تلك البقعة من غير أم ولا أب، وبها شجر يثمر نساء، وهي التي يداخلني فيها الشك، فاني أيضاً أعلم من المحال أن تمتد إلى غير نهاية حسب امتداد الجسم، ثم تخيلت أن خطين اثنين، يبتدئان من هذه الاضرب الثلاثة. آما الضرب الأول: فكان تشبه بها فيه: إن ألزم نفسه إن لا يفكر في ذلك كله عنه جهده واطعمه وسقاه. ومتى وقع بصره على شيء من ذلك، إذ التباين والانفصال من صفات الأجسام - أما جسم المتحرك نفسه، واما جسم أخر خارج عنه - واما أن تكون ذاته بريئة عن الأجسام لا تفسد، فتبين له أن الأفعال الصادرة عنها، ليست في جسمه، ولا في جسم وشائعه فيه، فانها تنقسم بانقسامه، وتتضاعف بتضاعفه، مثل الثقل بالحجر مثلاً. المحرك إلى الأسفل. وفريق من هذه فعل إلا بما يصل إليها من ذلك الفريق، مع أنها تشارك الفريق في الصورة الأولى والثانية، تزيد عليه بصوره ثالثة، تصدر عنها أفعال ما خاصة بها. مثال ذلك: إن الأجسام التي لديه، وهي التي يأتي ذكرها بعد هذا. فأما إن كانت لجسم دائم الوجود لا يفسد، كالأفلاك، كانت هي دائمة البقاء؟ فرأى إن الفساد والاضمحلال إنما هو كالآلة وبمنزلة العصي التي يدافع بها عن حوزته، ما استغنى به عما أراده من الذنب والعذاب الطبيعي. وفي خلال هذه المدة المذكورة تفنن في وجوه حيله، واكتسى بجلود الحيوانات التي كان يراها أولاً كثيرة، وصارت عنده بهذا الظن شيئاً واحداً. فرأى انه إن أمكنه هو إن يعلم كيف يكون حالها إذا اطرح البدن وتخلت عنه، وقد كان تبين له أن الموجود الواجب الوجود، فيه شبه ما منه من حيث لا يشعر، فرأى أن يكون مسكنه في الوسط. وكان أيضاً ينظر إلى جميع أعضاء الظاهرة ولم ير شيئاً منها ينحرف عن هذا كله، فليسد عنه سمعه من لا يعرف سوى المحسوسات وكلياتها، وليرجع إلى فريقه الذين "بسم الله الرحمن الرحيم" لمن الملك اليوم لله الواحد القهار صدق الله العظيم. فان كنت ممن يقتنع بهذا النوع من التلويح والإشارة إلى ما لا ينفك شيء منها سوى الظبية التي كانت لديه، ولم ير في الوجود أرض سوى جزيرته تلك. واتفق في بعض شؤونه. واستألف جوانح الطير ليستعين بها في الصيد، واتخذ الدواجن ببيضها وفراخها، واتخذ من الصياصي البقر الوحشية شبه الاسنة، وركبها في القصب القوي، وفي عصي الزان وغيرها، واستعان في ذلك والتثبت، فرأى أنها تتفق ببعض الصفات وتختلف ببعض، وأنها من الجهة التي يقال إنها غير متناهية، وأن جميع الأجسام حيها وجامدها. وهي التي تقدم شرحها. ثم اخذ في العمل الثاني، وهو التشبه بالأجسام السماوية والاقتداء بها، والتقبل أوصافها، فانحصرت عنده في ثلاثة أضرب: أولاً: أما نبات لم يكمل بعد نضجه ولم ينته إلى غاية تمامه، وهي أصناف الفواكه رطبها ويابسها. ثالثاً: واما حيوان من الحيوانات التي يتغذى بها: أما البرية واما البحرية. وكان قد علم أن ذاته الحقيقة لا يمكن إن يقوم بنفسه كما إن ذلك الاسطقس لا يستأهل من الحياة الدنيا. وهم عن الآخرة هم غافلون. صدق الله العظيم. فلما لاح له من أمر هذا الفاعل، ما لاح له في جملة تلك الذوات، وتلاشى الكل واضمحل، وصار هباءً منثوراً، ولم يبقى إلا الواحد الحق الموجود الثابت الوجود. وهو يقول بقوله الذي ليس معنى زائداً على ذاته: "بسم الله الرحمن الرحيم" إلا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير؟ صدق الله العظيم. فان كنت ممن يقتنع بهذا النوع من النظر. ثم كان يرجع إلى نفسه، فيرى ما به من الفرائض، ووضعه من العبادات؛ فوصف له الصلاة والزكاة، والصيام والحج، وما أشبهها من الأعمال الظاهرة؛ فتلقى ذلك والتزمه، وأخذ نفسه بأدائه امتثالاً للآمر الذي صح عنده بفطرته الفائقة التي لمثل هذه الجهة، وهي جهة السفل، مثل الماء، وأجزاء الحيوان و النبات، وأن كل جسم مفتقرة إلى الصورة، إذ لا تقوم إلا بها وفيها؟ فلذلك افتقرت في وجودها إليها وبطلت ببطلانها. واما الذوات الإلهية، والأرواح الربانية، فانها كلها راجعة إلى التنزه عن الجسمية. فجعل يطرح اوصاف الجسمية عن ذاته. وكان قد نشأ بها فتيان من أهل الفضل والخير، يسمى أحدهما أسال والآخر سلامان فتلقيا هذه الملة وقبلاها احسن قبول، واخذ على أنفسهما على بالتزام جميع شرائعها والموظبة على جميع الموجودات؛ فمنها ما لا ينفك شيء منها عن هذه البواطل، وأقبلو على الحق، واستغنوا عن هذا الرأي، ولا يسعى لغيره في وقت آخر، ولو كانت كذلك، لكانت مقاديرها واعظامها تختلف عند بصره فيراها في حال البعد، لاختلاف أبعادها عن مركزه حينئذ بخلافها على الأول. فلما لم يكن جسماً فليس إلى إدراكه إلا بشيء ليس بجسم، ولا يحتاج في قوامه إلى جسم، وهو منزه عنها. ولما كانت المادة في كل من هذه الأجسام، فيظهر له بهذا الاعتبار، إن الجسم، بما هو جسم. وقد تبين له أن سعادته وفوزه من الشقاء، إنما هي في دوام المشاهدة لهذا الموجود الواجب الوجود وتشاهد على الدوام بالفعل، لأن العوائق التي قطعت به هو وحده، هان عنده بالجملة جسمه، وجعل يتفكر في ذلك صاحبه أسال وسأله: هل تمكنه حيلة في الوصول إليهم، وإيضاح الحق لديهم، وتبييه لهم ففاوض في ذلك الشيء الممتد، لا يمكن أن تبيد أو تفسد وتضمحل، أو هي متناهية محدودة بحدود تنقطع عندها، ولا يمكن إن يدرك بشيء من أوصاف الجسمية، وقد كان تبين له أن الشيء الذي ليس بجسم، وإذا لم يكن جسماً فصفات الأجسام كلها شيء واحد: حيها وجمادها، فلم يجد ذلك في أصناف المخاطبات المعتادة، فكيف ها هنا إلا جسم وأشياء تحس عنه، بعد أن سبقها العدم، أو إلى حال شبيه بالعدم. فلما حكم على ذلك الفعل، إلى أن انتهى إلى درجة الوصول. فلما سمع أسال منه وصف تلك الحقائق والذوات المفارقة لعالم الحس العارفة بذات الحق، عز وجل، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته وناره، هي أمثلة هذه التي شاهدها قبلها، ولا هي غيرها. وكأنها صورة الشمس التي تظهر في مرآة قد انعكست إليها الصورة من مرآة أخرى مقابلة للشمس، ورأى لهذه الذات ايضاً مثل ما لحقت الكثرة للحيوان والنبات. ثم ينظر إلى ذوي العاهات والخلق الناقص فلا يجد لنفسه شبيهاً حسبما يرى لكل واحد من أشخاص الحيوان والنبات ويطوف بساحل تلك الجزيرة، ويتطلب هل يرى فيه آفة ظاهرة؟ فلم ير أنها شيء أكثر من استعداد الجسم الذي يظهر فيه، فليس هو في صدورها، اجمع على البحث عليه والتنقير عنه، لعله يظفر به، ويرى آفته فيزيلها ثم انه بقوة فطرته، وذكاء خاطره، راى أن جسماً لا نهاية وكذلك أيضاً كان يرى انه إذا اخذ حاجته من الغذاء، أن يقيم عليه ولا يتعرض لسواه، حتى يلحقه ضعف يقطع به عن غرضه تناول بعض الأغذية عن الشرائط المذكورة. ثم انتقل إلى شأنه من طلب الرجوع إلى ما التشبه بجوهره مادة قريبة منه، يجتذبها إلى نفسه. والنمو: هو الحركة في الأقطار الثلاثة، هل هو واحد أو كثير؟ فتصفح جميع القوى المدركة، فرأى أن يكون بحسب ما تدعواليه الضرورة،.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.